الأحد، 19 يوليو 2015

"يوم الميلاد الأبيض"، "أسمع صوتك"، "الفضيحة"... ثلاثية متكاملة لا ينبغي أن تفترق عن بعضها البعض...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لقد استطاعت "يوم الميلاد الأبيض /White Christmas" بشكل فني بديع لمخرج أتطلع كل مرة لمشاهدة عمله.. على أن تدخل إلى عقل مشاهدها وتهز بداخله بضعة مبادئ أساسية.. ظننت أنا على الأقل أنها لم ولن تهتز أبدًا.. إذ أن النهاية جعلتني.. -برغم حسمي الأول عندما سمعت السؤال أول مرة-.. أتردد بشأن الإجابة.. وجعلتني أعتقد أن تصرف مجموعة الطلاب بـ"يوم الميلاد الأبيض" بآخر حلقة ما هو إلا "دفاع مشروع عن النفس".. ونسيت أن لكل قرار تبعاته.. ولهذا بالذات أقول أن "أسمع صوتك" لا ينبغي بأي حال أن تفترق عن "يوم الميلاد الأبيض".. لأنها أعادت لي الشيء الذي فقدته بعد مشاهدة "يوم الميلاد الأبيض"...


هل يولد الوحش بداخلنا.. أو تولده ظروف معينة... ؟
بمعنى آخر.. هل نحن جميعًا بغض النظر عن أخلاقنا أو مبادئنا الحالية.. نحمل بذرة للوحش بداخلنا.. فكلنا وحوش لكن بعضنا "فقس" وحشه.. وبعضنا "لم يفقس بعد"... ؟
نفس السؤال بالضبط كان يطرحه "كيم جون غوك" في "أسمع صوتك /I Hear Your Voice".. وحاول أن يبرر لنفسه المآسي التي وضع -نفسه قبل الآخرين- فيها طوال الـ17 حلقة.. بل طوال الـ11 عامًا التي مضت عليه وعلى الأبطال... لكن الحقيقة هي أن تبريره هذا أثبت خطأه على يد (بارك سو ها) بشكل كاد أن يكون قاطعًا.. كاد ولكن كلمة المحامي (تشا) أفسدت القضية تمامًا.. عندما قال أن الفرق بين (سو ها) و(جون غوك) هو أن (سو ها) كان لديه شخص يخاف عليه ويريد حمايته.. شخص يمنع عنه وحشة الوحدة.. بينما (جون غوك) لم يكن لديه ذلك الشخص.. إذ فقط كل أعزائه دفعة واحدة...

لست موافقة على ذلك لعدة أسباب أهمها أن (سو ها) قال بوضوح أمام (جون غوك) أنه حتى وإن كانت المحامية (جانغ) ميتة.. فهو لا ولن يقدم أبدًا على قتل (جون غوك).. ولن يجعل من نفسه وحش أبدًا... برغم هلعه عندما رأى حبيبته تخرج محمولة على محفة الإسعاف.. إلا أنه كان يفكر بالفعل بطريقة مختلفة تمامًا عم فكر فيه (جون غوك) يوم فقد زوجته.. وهذا هو الفرق بينهما.. ذلك المبدأ.. أو بلغتنا.. فكرة "الثبات عند المصيبة" كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم...

الفكرة التي ربما لا ينتبه لها أحد هنا.. أو على الأقل لم أنتبه لها أنا عندما شاهدت "يوم الميلاد الأبيض" هي أن "نحن لا ننكر على المظلوم حقه في القصاص".. ولكننا "ننكر عليه أن يجر نفسه في تبعات هذا القصاص إن أخذه بيديه"...
بمعنى.. "القصاص حق المظلوم أو المعتدى عليه".. و(كيم جون غوك) كان له حق عند والد (سو ها).. ولكن ما كان ينبغي له أن يأخذ هذا الحق بيديه.. حتى وإن لم تتوفر السبل المناسبة أو القنوات الشرعية والقانونية التي تمكنه من أخذ حقه بطريقة عادلة...

فكروا معي لحظة.. لحظة البداية كانت عندما "قتل" (جون غوك) والد (سو ها).. بدأ بجريمة.. ولكي يخفي أو يتستر على تلك الجريمة.. ارتكب من بعدها عشرات الجرائم الأخرى.. وهذا بالضبط هو ما كان يقصده (سو ها) عندما قال أنه لا ولن يحول نفسه إلى وحش بقتل (جون غوك).. فالمشكلة ليست في قتله لـ(جون غوك) نفسه.. بل المشكلة فيما سوف يتل ذلك.. إذ سوف يدخل السجن مثلًا.. ثم يخرج ويبحث عن كل من قصر في حماية المحامية (جانغ).. مثل المحامي (تشا).. -لا ننس أنه استنجد به قبل أن يذهب لـ(جون غوك)-.. ولا ننس أن المحامي (تشا) هو السبب الرئيسي في تفادي (جون غوك) للسجن عندما دافع عنه في قضية مقتل والدة المحامية (جانغ)... ومن يعلم فين غير المحامي (تشا) قد يعتبره (سو ها) مذنبًا أو مقصرا في حماية حبيبته... هذا غير من سيعرفون بجرائمه ونواياه.. وكذلك غير الحسرة والمرارة اللذين سيشعر بهما في سنوات السجن.. إذ بالتأكيد سيسأل نفسه ومن حوله "لماذا خلت السجن لأني قتلت حثالة مثله... ؟!"...
تمامًا مثل (جون غوك) الذي خرج من السجن أساسًا ليقتل المحامية (جانغ) وحدها.. لكن الأم توسع فيما بعد فبدأ بقتل أشخاص لم يكن ينوي قتلهم منذ البداية.. مثل والدة المحامية (جانغ).. وبائعة الفاكهة و(سو ها) نفسه... بل كان ينوي منذ البداية أن يقتل والد (سو ها) فقط.. الشخص الذي أخطأ بحقه.. لكن انظروا كم توسع الأمر... ؟
هذا بالضبط هو ما أراد (سو ها) تجنبه عندما قال كلمته "لن أتحول إلى وحش مثلك".. ف(سو ها) يعرف جيدًا أن من حقه.. -في لحظة مقتل حبيبته-.. أن يأخذ بثأره من قاتلها.. لكن عرف كذلك أنه ليس من حقه أن يأخذ ذلك الثأر بيديه.. بل ينبغي أن يأخذ ذلك الثأر بطريق مشروع يجنبه مغبة التبعات التي حكينا عنها قبل قليل...

،

أما عن "الفضيحة / Scandal: A Shocking And Wrongful Incident" وعلاقتها بهاتين الدرامتين.. فهي ببساطة أنها تحسم هذا الصراع الداخلي الذي يسأل "هل ينبغي قول الحقيقة دائمًا ومهما كانت الظروف أم لا؟" بشكل حاسم ومعبر.. إذ مثل بطلها (أون جونغ) مأساة طفل تغير أهم ثابت في حياة أي إنسان برأيي.. ألا وهو هويته وهوية والده الذي يحبه حقًا.. والأدهى أن ذلك حدث بعدما صار في الـ30 من عمره.. فكم من سنوات عاشها وهو يعتقد بشكل ثابت أنه "فولان بن فولان"؟.. ليكتشف بعدما تشكلت كل حياته أنه ليس ذلك الشخص.. بل وكان عليه أن يضع والده الحقيقي في السجن.. ليس كرها فيه وإنما حبًا.. فكأنما كان يعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور "أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا".. نعم.. فهو دافع عن والده الحقيقي ونصره بأن منعه من أن يرتكب مظالم أخرى تزيد من حمل ذنوبه...
بما يعني أن (أون جونغ) كذلك بطل "الفضيحة" كانت أمامه فرصة لأن "يختار" أن يكون وحشًا.. لكنه رفض ذلك.. مثلما فعل (سو ها)...

نعم فالأمر أولًا وأخيرًا "اختيار".. وليس شيء جبري مثلما حاول (جون غوك) و(كيم يو هان).. –بطل "يوم الميلاد الأبيض"-.. أن يصورا.. والوحش الحقيقي الذي تكلما عنه هو ببساطة "الاختيار" الذي تبعاه بإرادتهما الكاملة.. وليس أي شيء آخر...

وختامًا.. احب أن ألخص الأمر هكذا.. "لأقد خلق الله فينا قدرة على الاختيار.. وعلى هذا الأساس.. كل إنسان يحاسب عن نفسه.. على اختياره أحد الطريقين...
(ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين)
سورة البلد – الآيات 8 و9 و10...
.
.


نُشرت في "سبرز" بتاريخ 26 فبراير 2014




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق